اضطراب القلق العام



اضطراب القلق - القلق العام


   يقال إن هذا العصر هو عصر القلق، ولا تستطيع الجزم بصحة هذا القول؛ لأنه مما لاشك فيه أنه في الأزمنة السابقة، عانى الناس من الجوع، والمرض، والعبودية والحروب وكوارث عامة مختلفة، جعلهم معرضين للقلق مثلنا نحن الآن، ولكن تعقيد الحضارة، وسرعة التغير الاجتماعي، وسرعة التكيف مع التشكل الحضاري السريع والتفكك العائلي، وصعوبة تحقيق الرغبات الذاتية.

   على الرغم من إغراءات الحياة، وضعف القيم الدينية والخلقية مع التطلعات الأيديولوجية المختلفة تخلق الصراع والقلق عند كثير من الأفراد؛ مما يجعل القلق النفسي هو محور الحديث الطبي في الأمراض النفسية والعقلية والسيكوسوماتية.

مفهوم القلق العام

   ويختلف الكثير في تعريف القلق النفسي كمرض مستقل، وتستطيع تعريفه بأنه شعور عام غامض غير سار بالتوجس والخوف والدمار والتوتر ومصحوبة عادة ببعض الإحساسات الجسمية خاصة زيادة نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي، ويأتي في نوبات متكررة، مثل: الشعور بالفراغ في فم المعدة، أو السحبة في الصدر، أو ضيق في التنفس، أو الشعور بنبضات القلب، أو الصداع، أو کثرة الحركة وقد يحاول البعض التفرقة بين الخوف والقلق، مع معرفتنا التامة بأنهما عادة مايكونان وحدة ملتصقة، ولكن شعور الفرد بالخوف عندما يجد سيارة مسرعة في اتجاهه في وسط الطريق يختلف تماما عن شعوره بالخوف والقلق، عندما قابل بعض الغرباء الذين لايستريح لصحبتهم، كذلك من الناحية الفسيولوجية، فالخوف الشديد يصاحبه نقص في ضغط الدم، وضربات القلب وارتخاء في العضلات و مما يؤدي أحيانا إلى حالة إغماء، أما القلق الشديد فيصاحبه زيادة في ضغط الدم وضربات القلب، وتوتر بالعضلات مع تحفز وعدم استقرار وكثرة الحركة.

  الأساس الفسيولوجي للفلق:

   تنشأ أعراض القلق النفسي من زيادة في نشاط الجهاز العصبي اللإرادي بنوعية السمبثاوي والباراسمبثاوي، ومن ثم تزيد نسبة الأدرينالين والنورأدرينالين في الدم، ومن علامات تنبيه الجهاز السمبثاوي أن يرتفع ضغط الدم، وتزيد ضربات القلب، وتجحظ العينان، ويتحرك السكر من الكبد، وتزيد نسبته في الدم، مع شحوب في الجلد، وزيادة العرق، وجفاف الحلق، وأحيانا ترتجف الأطراف، ويعمق التنفس. أما ظواهر نشاط الجهاز البارسمبثاوي، فأهمها كثرة التبول والإسهال، ووقوف الشعر، وزيادة الحركات المعوية مع اضطراب الهضم والشهية والنوم.
   ويتميز القلق فسيولوجيا بدرجة عالية من الانتباه واليقظة للمرضى في وقت الراحة، مع بطء التكيف للكرب، أي إن الأعراض لاتقل مع استمرار التعرض للإجهاد، نظرا لصعوبة التكيف في مرضى القلق
  والمركز الأعلى لتنظيم الجهاز العصبي اللاإرادي هو الهيبوثلاموس (المهاد التحتانی)، وهو مركز التعبير عن الانفعالات، وعلى اتصال دائم بالمخ الحشوی، والذي هو مركز الإحساس بالانفعال، كذلك فالهيبوثلاموس على اتصال بقشرة المخ تتلقى التعليمات منها للتكيف بالنسبة للمنبهات الخارجية، ومن ثم توجد دائرة عصبية مستمرة بين قشرة المخ، والهيبوثلاموس، والمخ الحشوی ومن خلال هذه الدائرة العصبية تعبر ونحس بانفعالاتنا
  وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الدائرة العصبية تعمل من خلال سيالات وشحنات كهربائية وكيمائية وأن الموصلات العصبية المسؤولة عن ذلك هي السيروتونين، والنور أدرينالين، والدوبامين، والتي تزيد نسبتها في هذه المراكز عن أي جزء آخر في المخ، مع وجود الاستييل كولين في قشرة المخ، وأن النظريات الحديثة في أسباب معظم الأمراض النفسية والعقلية هي خلل في توازن هذه الموصلات العصبية.. 
  كل ذلك يجعلنا نؤمن أنه من الممكن التأثير في الانفعالات المختلفة خصوصا القلق والاكتئاب بإيجاد نوع من التوازن في هذه الموصلات، وهو مايحدث مع العقاقير المضادة للقلق والاكتئاب، بل إن الجلسات الكهربائية تحدث تأثيرها بتغيير الشحنات الكهربائية وبالتالي الموصلات العصبية، وأحيانا نلجأ جراحيا القطع الألياف العصبية الموصلة بين قشرة المخ، والهيبوثلاموس والمخ الحشوى لتقليل الانفعالات الشديدة، عن طريق عملية جراحية.
   ونركز كلامنا هنا على القلق النفسي كاضطراب أولى، ولكن يظهر القلق كعرض ثانوي في معظم الأمراض النفسية والعقلية والجسمية، ويكون علاجه أساسا علاج المرض المسبب له.

لايوجد رد " اضطراب القلق العام "

إرسال تعليق

Back to top