العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية

   عرفنا أن الشخصية تتكون من مكونات جسمية وعقلية وانفعالية واجتماعية، وتحدد هذه المكونات وتتأثر بعوامل متنوعة ومتفاعلة ومتكاملة، وفيما يلي أهم هذه العوامل.

العوامل الحيوية : تؤثر وظائف الأعضاء في نمو الشخصية. فنحن نعرف أن التوازن في إفرازات الغدد يجعل من الفرد شخصا سليما نشطا ويؤثر تأثيره حسنا على سلوکه بصفة عامة . وتؤدي اضطرابات الغدد إلى الاضطراب النفسي والسلوك المرضي. فمثلا نقص إفراز الغدة النخامية يسبب تأخر النمو بصفة عامة، ونقص إفراز الغدة الدرقية ي ب القصاع (أي القزامة المصحوبة بالضعف العقلي)، ومعروف ما قد يرتبط بالقزامة أو الضعف العقلي من سمات شخصية خاصة. والجهاز العصبي يشرف على جميع الوظائف العضوية ويؤلف بينها ويحقق وحدة الفرد وتكامله ويصدر عنه الوظائف العقلية العليا. وإذا كان الجهاز العصبي سليما كان نمو الفرد سليما. أما إذا أصيب الجهاز العصبي بتلف مثلا فإن ذلك يؤدي إلى اضطرابات ملحوظة في الشخصية منها الأمراض العصبية والأمراض العقلية العضوية. كذلك فإن التكوين الجسمي للفرد يؤثر على شخصيته وبالتالي على سلوكه وتوافقه. فمثلا التكوين الجسمي الرياضي يساعد على النجاح الرياضي، والعجز الجسمي أو العاهة يؤثر على شخصية الفرد اجتماعيا ونفسيا فقد يؤدي إلى الشعور بالنقص والانطواء وفقدان الثقة بالنفس والتواكل والحقد أو العدوان.

الوراثة : تمثل الوراثة كل العوامل الداخلية التي كانت موجودة عند بداية الحياة أي عند الإخصاب. وتنتقل الوراثة إلى الفرد من والديه عن أجداده وسلالته عن طريق المورثات (الجينات) التي تحملها الصبغيات (الكروموزومات) التي تحتويها البويضة الأنثوية المخصبة من الحيوان المنوي الذكري بعد عملية الجماع الجنسي. وتعتبر الوراثة عاملا هاما يؤثر في النمو من حيث صفاته ومظاهره، نوعه ومداه، زيادته ونقصانه، نضجة وقصوره... إلخ. وهكذا تلعب الوراثة دورا هاما في تحديد الخصائص الجسمية للفرد وفي تكوين الجهاز العصبي الذي يلعب بدوره دورا هاما في تحديد السلوك. والإنسان يرث الاستعدادات (الخصائص الأولية للسلوك) بشكل معين، أي أن الوراثة تحدد الأساس الحيوي للشخصية.

البيئة : تمثل البيئة كل العوامل المادية والاجتماعية والثقافية والحضارية التي تسهم في تشكيل شخصية الفرد وفي تعيين أنماط سلوكه أو أساليبه في مواجهة مواقف الحياة. إن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد تشكله اجتماعيا وتحوله إلى شخصية اجتماعية متميزة. ويكتسب الفرد أنماط ونماذج سلوکه وسمات شخصيته نتيجة التفاعل الاجتماعي مع غيره من الناس من خلال التنشئة الاجتماعية . كذلك فإن البيئة الحضارية تسهم في بناء الشخصية، والدليل على ذلك اختلاف السلوك الاجتماعي لكل من الجنسين في البيئات والثقافات المختلفة. وعلى العموم فكلما كانت البيئة صحية ومتنوعة كان تأثيرها حسنا على نمو الشخصية و كلما كانت غير ملائمة كان تأثيرها سيئا.

الوراثة والبيئة : فيما يتعلق بنمو الشخصية يصعب فصل أثر الوراثة عن أثر البيئة إلا من الناحية النظرية. أي أن العوامل الوراثية والعوامل البيئية تتفاعل وتتعاون في تحديد شخصية الفرد وأنماط سلو که ومدی توافقه وشذوذه، وقد أجريت بحوث كثيرة لدراسة الأثر النبي لكل من الوراثة والبيئة في نمو الشخصية وذلك بدراسة التوائم المتماثلة حيث نجد أن التوأمين المتماثلين متساویان من حيث العوامل الوراثية، فإذا تربيا في بيئة واحدة فإن سمات الشخصية لديهما تكون متقاربة إلى حد كبير، أما إذا تربيا في بيئتين مختلفتين فإن تأثير هاتين البيئتين يتضح في اختلاف سمات شخصية كل من التوأمين المتماثلين أصلا .

النضج : يتضمن النضج عملية النمو الطبيعي التلقائي التي يشترك فيها الأفراد جمیعا والتي تتمخض عن تغيرات منتظمة في سلوك الفرد بصرف النظر عن أي تدريب أو خبرة سابقة، أي أنه أصل تقرره الوراثة. وقد يمضى النمو طبقا للخطة الطبيعية للنضج على الرغم من التقلبات التي قد تعتري البيئة بشرط ألا تتجاوز هذه التقلبات حدا معينا، إن الفرد لا يمكن أن يكتب ما لم ينضج .

المدرسة : المدرسة هي المؤسسة الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية وتوفير الظروف المناسبة للنموالنفسي للتلاميذ. وتأثر شخصية التلميذ بالمنهج الدراسي بمعناه الواسع حيث يزداد علما وثقافة وينمو جسميا واجتماعيا وانفعاليا. كذلك تأثر شخصية الطفل بشخصيات معلميه تقليدا وتوحدا والعلاقات الاجتماعية في المدرسة بين المدرس والتلاميذ وبين التلاميذ بعضهم ببعض وبين المدرسة .

جماعة الرفاق : تقوم جماعة الرفاق أو الصحبة أو الثلة بدور هام في تكوين شخصية الفرد حيث تساعد الجماعة في النمو الجسم عن طريق إتاحة فرصة النشاط الرياضي، والنمو العقلي من فريق ممارسة الهوايات، والنمو الاجتماعي من طريق النشاط الاجتماعي وتكوين الصداقات والنمو الانفعالي في مواقف لا تتاح لغيرها من الجماعات، وإذا كانت جماعية الرقاق رشيدة كان تأثيرها حسنا، وإذا كنت منحرفة كان تأثيرها سيئا .

وسائل الإعلام : تؤثر وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتليفزيون وسينما وصحف ومجلات و کتب وإعلانات... الخ في الشخصية بما تنشر، وما تقدمه من معلومات وحقائق وأخبار ووقائع و افگار وآراء المحيط الناس علما بموضوعات معينة وتستميلهم نحو ألنماط معينة من السلوك مع إتاحة فرصة الترفيه والترويح ونحن نعلم أن من أساليب وسائل الإعلام عرض النماذج الشخعية والأدوار الاجتماعية التي تأثر بها الأفراد ويقلدونها او يتوحدون معها .

دور العيادة : تقوم دور العيادة بدور کبير في عملية التنشئة الاجتماعية لما تتميز به من تقديس وثبات وإيجابية المعايير السلوكية التي تعلمها للأفراد، والإجماع الاجتماعي على تدعيمها وهی تعلم التعاليم الدينية والمعايير السماوية المباركة التي تدعو إلى السلوك السوي وتنمي الضمير والرقابة والأنا الأعلى عند الفرد .

الأدوار الاجتماعية : إن الفرد وهو يقوم بأدواره الاجتماعية أي ( وظائفه في الجماعات التي هو عضو فيها ) تتأثر شخضته بهذه الأدوار، ذلك أن الدور الاجتماعي يتحدد في ضوء نوع الجماعة وبنائها والموقف الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي وفي ضوء الاتجاهات النفسية وسمات شخصیات الأفراد إن الفرد في نموه بتعلم الأدوار الاجتماعية أي أنه بكتسبها من خلال تمثله للمعایير الاجتماعية التي تحدد هذه الأدوار. وتمتزج الأدوار الاجتماعية المتعددة للفرد لتسهم في تكوين مفهوم الذات لديه، وهكذا تحدد معالم شخصية الدور role personality  إلي شخصية الفرد وهو يقوم بدوره الاجتماعي في إطار سلوك الدور المحدد بدوره مجموعة المعايير الاجتماعية التي ترتبط بالسن والجنس والحالة الزواجية والطبقة الاجتماعية ... الخ، والأدوار الهامة تترك في الشخصية ، والشخصية تعبر عن تكامل كل الأدوار التي يقوم بها الشخص. هذا ويجب ألا يكون هناك تعارض بين الشخصية الحقيقية وشخصية الدور حتى لا يؤدي ذلك إلى فشل الفرد في قيامه بهذا الدور ولا شك في أن أن صراع الأدوار يؤثر على الشخصيات تأثیرا سيئا بخلق الكثير من المشكلات حتى لقد نسب إليه بعض أنواع الاضطراب النفسي .

[ حامد عبد السلام زهران - الصحة النفسية والعلاج النفسي - ط 4 ]

شارك الموضوع